أظنك تتحدثين عن إكتشاف موجات الجاذبية التي تحدث عنها أنشتاين مؤخرا....
خلال أقل من نصف ثانية بعد تسجيل أول دليل مُباشر للموجات الثقالية في الرابع عشر من سبتمبر العام الماضي، تم تسجيل إشارة باهتة وقصيرة جدًا في مرصاد فيرمي التابع لوكالة ناسـا من نفس المنطقة في الفضاء التي تكونت فيها الموجات الثُقالية.
تم رصد جُسيمات ضوء ذات طاقة عالية تُدعى أشعة غاما مُنبعثة من اندماجٍ للثُقوب السوداء في المنطقة. لن يقتصر دور هذا الاكتشاف على مساعدة الفيزيائيين في تحديد المصدر الدقيق للموجة الثُقالية فقط، ولكنه، إذا صار مؤكدًا، سيكون له تأثير كبير على فهمنا لأساسيات الفيزياء التي تحكُم عالمنا.
توضح الوكالة: “قد يكون انبعاث أشعة غاما نتيجةً لاندماج الثُقوب السوداء اكتشافًا تاريخيًا، لأنه من المعروف أنّ الثقوب السوداء تندمج بصورةٍ “نقية” من دون انتاج أي نوعٍ من أنواع الضوء.”، هذا مبدأيًا هو ما نعرفهُ. في الرابع عشر من سبتمبر، التقط مرصد التداخُل الليزري الجذبي المعروف بـ “ليغو” والذي يقع في واشنطن ولويزيانا أول دليل مباشر على الموجات الثُقالية التي تحدَّث عنها آينشتاين، ناتجة عن اندماج ثُقبين أسودين (يطلق عليهما إصطلاح الثقوب السوداء الثُنائية) قبل حوالي 1.3 مليار سنة.
هذا الإكتشاف يعد ذو أهمية قصوى لسببين، قامت فيونا ماكدونالد ” “Fiona MacDonald بتوضيحهما في بداية هذه السنة:
“إن هذا الحدث، والذي هو بحدّ ذاتهِ قضية مُهمة؛ حيث يرصد اندماج ثقبين ثنائيين كما لم يرصده أحد من قبل، كان ضخمًا جدًا بحيث قام بتشويه نسيج الزمكان، مُكونًا موجات انتشرت عبر الكون… وصلتنا السنة الماضية أخيرًا.”
أعلن الباحثون في وكالة ناسـا مؤخرًا أنهم التقطوا أيضًا شيئًا غريبًا في الرابع عشر من سبتمبر – رشقة باهتة جدًا من اشعاع غاما حدثت خلال أقل من نصف ثانية بعد وصول الموجات الثُقالية، وفي نفس المنطقة من الفضاء.
صدفة؟ لا يُمكننا استبعاد هذا الافتراض حاليًا، ولكن وكالة ناسـا تقول أن هناك فُرصة بنسبة 0.2% لهذين الحدثين أن يقعا عشوائيًا في نفس المكان وفي نفس التوقيت.
على أقل تقدير، هذا الاكتشاف الذي تم إلتقاطهُ عبر مُراقب رشقات إشعاع غاما “Gamma-ray Burst Monitor (GBM)” في مرصاد فيرمي الفضائي التابع لوكالة ناسـا، سيُساعد العُلماء في فهم أين حدث هذا الإندماج للثُقبين الأسودين بالضبط قبل 1.3 مليار سنة.
توضح وكالة ناسـا: “في الوقت الحاضر، تمتلك مراصد الموجات الثُقالية نظرة مُشوشة نسبيًا، فبالنسبة لحدث شهر سبتمبر – والذي اُصطلح عليه بالرمز “GW150914″ بعد هذا التاريخ – يستطيع عُلماء الليغو بالكاد تحديد مصدره بقوس سماوي يمتد على زاوية 600 درجة مربعة ، وهو رقم يضاهي المساحة الزاويِّة التي تحتلُّها الولايات المُتحدة.”
بإفتراض اتصال رشقة الـ “GBM” مع هذا الحدث، فإنّه سيتم دمج موضع الـ GBM مع مشاهدة مرصاد فيرمي للأرض لتقليل مساحة بحث الليغو بحوالي الثُلثين، إلى 200 درجة مُربعة.”
q1
خريطة المصدر الأصلي لحدث الرابع عشر من سبتمبر للموجات الثُقالية، التي ضُيِّقت الآن بنحو الثُلثين.
ولكن حقيقة أنّ الضوء انبعث من اندماج ثُقبين أسودين كما يبدو يُمكن أن تدفع ايضًا لإعادة تفكير هائلة في واحدة من أعنف الأحداث ذوات الطاقة العالية في الكون المعروف.
لماذا؟ لأنه ببساطة، لتوليد الضوء يتطلَّب الأمر وجود غاز، كما أنه لا يجب أن يكون هُناك غاز حول ثُقبين أسودين في طريقهما إلى الاندماج، لأنه من المُفترض أن يتمّ إبتلاعهُ بواسطة أحد الثُقبين قبل وقتٍ طويل من اصطدام زوج الثقبين.
الآن هُناك إمكانيتان: الأولى أن رشقة إشعاع غاما كانت حقًا صُدفة ولم تتعلَّق بإندماج الثقبين الأسودين الذي يُرمز له “GW150914″ وتسبب في رصد الموجات الثُقالية في حدث الرابع عشر من سبتمبر. الآخر هو أنّ اندماج الثقوب السوداء يُمكن حقًا أن يُنتج إنبعاثًا يٌمكن رصدهُ لإشعاع غاما، وهذا يعني أنه سيتوجب علينا أن نُعيد التفكير بالقوانين التي تحكُم ما الذي تبتلعهُ الثقوب السوداء ومتى.
يقول فاليري كوناوتن Valerie Connaughton””، أحد أعضاء فريق الـ”GBM” : “إن هذا الإكتشافٌ مُثيرٌ للغاية مع فُرصة ضئيلة بأن يكون إنذارًا كاذبًا، ولكن قبل أن نبدأ بإعادة كتابة المناهج الدراسية فإننا سنحتاج إلى رؤية المزيد من الرشقات المُصاحبة للموجات الثُقالية الناجمة عن اندماج الثقوب السوداء.”
سنحتاج الآن إلى المزيد من البيانات لفهم ذلك، ولكن مُجرد تمكُّن جُسيمات الغاز من الهروب من تأثير سحب الثقوب السوداء مُدهشٌ إلى حدٍ كبير.