- المستوى التواصلي:
فَتح آفاق التَّواصُل: ويتجلَّى دَور الإعلام - في هذا المستوى - في ذلك التطوُّر المهول الذي عرفه مجال الاتِّصال في الجانب السَّمعي والبصري والمكتوب؛ إذْ لم يعُدْ هذا الاتِّصال مقتصِرًا على عنصرين متقاربَين فقط، بل أصبح بإمكان أيِّ شخص أن يَنفتح على العالَم بأكمله، دونَ حَواجِز أو مُثَبِّطاتٍ؛ لأن ما حدث اليوم من ثورة حَقيقيَّة في عالم الاتصال، وما ظهر فيه من تقنيات عالية متجدِّدة، جعل للاتِّصال وظائفَ جديدةً لم تكنْ في مُتناول الفكر الإعلامي من قبلُ؛ إذْ لم يعد يقتصر على نَقل الحدث فقط، بل تعدَّى ذلك إلى تفسيره وتحليل مضمونه ومُحتواه، وكذا صناعة الحدَث نفسه، بل وصياغة القَرَار، واقتراح الأوجه الممكنة في الخبر، حتَّى يَتَمَكَّن المتتبِّع من المشاركة والإدلاء برأيه ومَواقفِه، ولا أدلَّ على ذلك من بعض البرامج التي تُذاع على القنوات العالمية مثل: برنامج "مراسلون"، و"الحصاد المغاربي" الذي يُبثُّ على "قناة الجزيرة الإخبارية"؛ مما يؤكِّد الاتِّفاق على الدور المتعاظم والمتطوِّر الذي تحقِّقه العمليَّة الاتِّصالية في شكلها ونَمُوذجها الحديث، وفي تعاملها مع شعوب العالم ودُوَلِه وأحداثه.
وبذلك تطوَّرت وسائل الإعلام مِن دور التَّبليغ من شخصٍ إلى شخص آخر، إلى دور التبليغ بين جماعات منظَّمة، ثم إلى دور التبليغ الجماعيِّ بوساطة وسائل الإعلام الجماهيري، وشهد القرن العشرون تطوُّرًا هائلاً في وسائل الإعلام الجماهيريِّ؛ مثل: الكتاب، والصحافة، والإذاعة، والتِّلفاز، والحاسوب، ويعيش الناس منذ سبعينيَّات القرن العشرين ثورةَ الاتِّصال الجماهيري.
تيسير التواصل: أيْ: تيسير الوصول إلى الحدث في مدَّة وجيزة، والانفتاح على العالَم الخارجي - كما ذكر آنِفًا - بل ونَقْل ذلك العالَمِ بكل أحداثه المعقَّدة والمتلاطمة إليه، ويتجلَّى ذلك في قِصَر المدَّة التي يقطعها الفرد العاديُّ لِمُشاهدة الخبر في التلفاز، وبرامج الإذاعات العالميَّة، أو تصفُّح الجرائد والمجلاَّت، وبخاصَّة في أوقات الأزمات العالمية المتواصلة، ثم تقليب صفحات الإنترنت، وزيارة المواقع المختلفة على الشبكة الدَّولية؛ لمعرفة المزيد مِن أحوال العالَم الذي يعيش فيه، بعد أن كان ذلك يكلِّف الأيام الطوال.
2- المستوى المعرفي: حيث إنَّ الإعلام أصبح من الوسائل التي أجمع علماء التَّربية على نَجاعَتِها بالنِّسبة لِنقل المعارف للتلميذ في الوقت الحاضر، ويتجلَّى ذلك فيما يلي:
حِفظُ وَنَقْلُ المَعارف والعُلوم والمَفاهيم:
وذلك باستخدام وسائل الإعلام كأداةٍ لنقل المعارِف وتعميمها، وجَعْلِها في متناوَل التلاميذ يرجع إليها وقتَ ما شاء، وكيفما شاء.
ترسيخ هذه المعارف والقِيَم وبناؤها:
فقد أصبح الإعلام يمتلك قدرة على البناء وترسيخ القيم، كقدرته على الهدم وإبدال القِيَم؛ وذلك لما لهذه الوسائل الحديثة من تأثير على المجتمع المتلقِّي، مما دفع بأهل الاختصاص في مجال الدِّراسات الإعلامية إلى تناول وتصنيفِ هذا التَّأثير من خلال نظريَّات ودراسات علميَّة تؤكِّد على دور الإعلام في تحقيق أهداف تواصليَّة كثيرة.
كَثرةُ مَوارد الحُصولِ عَلى المعلومات، وتَوفُّرُها:
وذلك أنَّ المعرفة لم تعد تتوقَّف على مصدر واحد، أو مصدرين كما يحدث قديمًا (الكتاب والشيخ أو المعلِّم مثلاً)، ولم تعد حكرًا على *** أو صنف دون آخر، بل وجدت هناك مصادر جديدة، وموارد متعدِّدة تُمَكِّن طالب العلم مِن الاطِّلاع على الموضوع الواحد انطِلاقًا مِن مصادر متَعدِّدة مختلفة.
3 - المسْتَوَى الثََّقَافِي: ويتجلَّى ذلك في كون وسائل الإعلام تقوم بدور حيوي في نشرِ ثقافة عامَّة موحَّدة بين فئات وشرائح المجتمع الواحد من ناحية، مثلما يعمل من الناحية الأخرى على التقريب بين الثقافات المختلفة، ويساعد بالتالي على نشر روح الاحترام مِن خلال التعرُّف على تلك الثقافات المغايرة، وعلى هذا الأساس يمكن اعتبارُ الإعلام جسرًا يربط بين حياة الأفراد الشخصيَّة الخاصَّة، والعالَم الكبير الذين يعيشون فيه؛ بحيث يستطيع الفردُ أن يَرى نفسه مِن خلال البرامج التي تبثُّها وسائلُ الإعلام المختلفة.
4- المسْتَوَى الحقوقي: إذْ إنَّ وسائل الإعلام من أهم الوسائل الَّتي تؤدِّي دور نشر ثقافة حقوق الإنسان، وقد أكَّدت على ذلك منظَّمة الأمم المتَّحدة للتربية والعلم والثَّقافة في مُؤتمرها العشرين، ونشرَت بيانًا تتحدَّث فيه عن: إسهام وسائل الإعلام في دَعم السَّلام والتفاهُم الدَّولي، وتعزيز حُقُوق الإنسان، ومُكافحة العُنصريَّة والفصل العنصري، والتَّحريض على الحرب.
وجاء في بعض توصياتِها:
إنَّ دعم السَّلام والتَّفاهُم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافَحة العُنْصريَّة والفصل العنصري والتحريض على الحرب، يقتَضي تداوُلَ المعلومات بِحُرِّية، ونشْرَها على نحوٍ أوسع وأكثر توازنًا، وعلى وسائل إعلام الجماهير أن تقدِّم إسهامًا أساسيًّا في هذا المقام، وعلى قدر ما يعكس الإعلام شتَّى جوانب الموضوع المعالَج، يكون هذا الإسهام فعَّالاً.
• إنَّ مُمارسة حرية الرأي وحرية التعبير وحرِّية الإعلام، المعترَف بِها كجزء لا يتجزَّأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسيَّة، هي عامل جوهريٌّ في دعم السَّلام والتفاهم.